الأوّل: الأبعاد المتعدّدة ، والاتجاهات المتنوّعة ، التي تنطلق مع الآيات القرآنية في آفاقها الرحبة ، وأبعادها الواسعة التي تتجاوز الفرد إلي المجتمع والأمّة والدولة .
الثاني: التطبيق والتجسيد ، وهو عملية تلمّس المصاديق الحيّة المعاصرة ، والنماذج الفاعلة الحاضرة لما تطرحه الآيات القرآنية . . وهو ما يعرف بـ (التفسير التطبيقي) .
ويعطي الأمر الأوّل للتفسير طابع الشمولية والامتداد لكلّ ساحات الحياة ، ومواقع التدافع : الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثورية . . فيما يُعطي الأمر الثاني طابع الواقعيّة والعصريّة . . بعيدا عن التجريدية والماضويّة .
من هذا المنطلق يأسف الإمام الخميني علي تلك النظرات التفسيرية الضيّقة للآيات المباركة التي تجعلها محصورة في زاوية معتمة ، وبُعد ضيّق ، واُفق قريب لا يتجاوز دائرة المحلّة التي يصلّون في مسجدها ، أو علي حدّ تعبير الإمام «لا يتجاوز محور تفكيره محيط المسجد» .
فإذا أرادوا أنْ يطبّقوا ـ مثلاً ـ آية أكل السحت في سورة المائدة: لولا ينهاهم الرّبانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون1 ، «لا يخطر ببالهم سوي البقّال القريب من المسجد الذي يطفّف في البيع مثلاً . . . فلا يلتفتون إلي التطبيقات الواسعة والكبيرة لأكل السحت والنهب ، التي تتمثّل ببعض الرأسماليين الكبار أو من يختلسون بيت المال ، وينهبون نفطنا ، ويحوّلون بلادنا إلي سوق لبيع المنتوجات الأجنبية غير الضروريّة ، والغالية الثمن؛ لكونهم يمتلكون وكالات الشركات الأجنبية ، ويملأون جيوبهم وجيوب المتموّلين الأجانب من أموال الشعب غير هذا السبيل» .
يؤكّد الإمام علي هذا النمط المغفول عنه من السحت ، بقوله: «هذا أكلٌ للسحت علي مستوي واسع ودولي»!
كما يدعو الناس ـ وهم يقرأون آية أكل السحت ـ إلي تطبيق الآيات في واقعنا المعاصر لتشمل المصاديق الكبيرة ، قائلاً:
«اِدرسوا أوضاع المجتمع وأعمال الدولة والجهاز الحاكم بشكلٍ دقيق؛ لتروا أنّ (أكل السحت) مرعب يجري عندنا»2 .
وإذا أرادوا أن يفسِّروا آيات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ويطبقوها علي المجتمع ، فإنّهم لايرون المنكر إلاّ في «نطاق دائرة صغيرة» ، كـ «سماع الموسيقي في الباصات ، أو ارتكاب بعض المخالفات في المقاهي ، أو تجاهر بعض الناس بالإفطار» في الساحات ، من دون أن يلتفتوا إلي «تلك المنكرات الكبيرة» ، وإلي «أولئك الذين يقومون بضرب الإسلام معنويا ، وسحق حقوق الضعفاء»3 .
ولم تشذّ آيات الحجّ عن تلك النظرة الضيّقة لبعض الناس ، ممّا أدّي بنا الأمر إلي حصرها في آفاق ضيّقة سواء علي صعيد التفسير الدلالي أو التطبيقي .
كما لم تشذّ تلكم الآيات عن ذلك المنهج التفسيري القيّم للإمام الخميني ، بل إنّها تشكّل مصاديق بارزة ، ونماذج حيّة ، تؤكّد علي طابعي الشمولية والمعاصرة
ينطلق الإمام في تفسيره لآيات الحج ومناسكه في آفاق رحبة بعيدة؛ ليكتشف أبعادها السياسية والاجتماعية والثورية ، إضافة إلي أبعادها الروحية العرفانية .
وأذِّن في الناس بالحجِّ يأتوك رجالاً وعلي كُلِّ ضامرٍ يأتينَ من كُلِّ فَجٍّ عميق* ليشهدوا منافع لهم . . .5 .
لماذا هذا الإعلام الإبراهيمي برفع الصوت بالحجّ عاليا ، والنداء؟
لماذا كلّ هذا الحرص علي حضور الناس وحشدهم في زمان واحد وفي مكانٍ واحد وفي مناسك موحّدة؟
لماذا كلّ هذا الحشر في ذلك المكان المقدّس الطاهر؟
ما هو سرّ هذا الحشد المليوني الهائل لهؤلاء المسلمين الآتين من شرق الأرض وغربها؟
ما هي المقاصد والأهداف والغايات التي تجعل هؤلاء الملايين من المسلمين يهجرون أوطانهم وأهليهم ، ويعطّلون أعمالهم ومشاريعهم ، ليلتحقوا بركب الحجيج المقبلين من أقطار بعيدة ، وأصقاع نائية؟
إنّ الآيه الثانية تعطي لنا الجواب الشافي عن هذه الأسئلة المتعدّدة مبني ، المتّحدة مضمونا ومعنيً ، حيث ترسم لنا فلسفة الحجّ ، وعلّته أو غايته ـ علي اختلاف اتجاه التفسير في حرف (اللام) ـ بقوله: ليشهدوا ـ ذلك التجمّع المليوني للمسلمين الآتين من كلِّ فجٍّ عميق ، راجلين وراكبين: ليشهدوا منافع لهم!
(التجارات) هي المنافع الدنيويّة: بين الأمس واليوم!
يتساءل الإمام الخميني : ما هي هذه (المنافع) التي تمثِّل العلّة أو الغاية من حضور هذا الحشد المليوني الهائل؟
ماذا يتصوّر المسلم القارئ للقرآن الكريم من دلالات وأبعاد وآفاق لهذه (المنافع) التي أراد اللّه تعالي أن يشهدها الملايين الوافدون من أصقاع الكرة الأرضية؟
هل نكتفي بتفسير (المنافع) بكونها منافع اُخروية في الجنّة فيما يعطيه اللّه للحجّاج من الثواب الجزيل كما ذهب بعض المفسِّرين ، أو نفسّرها بـ (التجارات في الدنيا كما ذهب بعض آخر ، أم نجمع بين التفسيرين (التجارات في الدنيا ، والمغفرة في الآخرة)؟! وكأنّ (التجارات) هي المنافع الدنيوية الوحيدة التي من أجلها فرض اللّه عزوجل فريضة الحجّ ، وأوجب علي المسلمين أن يحقّقوا ذلك الاجتماع المليوني الكبير!!
وإذا كان السابقون يدركون المقاصد التجارية للحج باعتباره يمثِّل ـ فيما يمثِّل ـ سوقا إسلامية عالمية رائجة ، فنحن ـ في واقعنا المعاصر ـ لا يمكن أن نعتبر هذه السوق من (المنافع) التي ذكرتها الآية المباركة ، وجعلتها علّة أو غاية للحكم . . . ذلك لأنّ السوق في مكّة والمدينة أصبحت (أمريكية ـ أوروبيّة ـ يابانية) بكلّ معني الكلمة!!
وقد نبّه الإمام الخميني إلي هذه الظاهرة الخطيرة وحذّر الحجّاج المسلمين ، الذين تركوا الأهل والديار ، وأتوا ملبّين دعوة إبراهيم الخليل عليهالسلام ، من أن يكونوا «مستهلكا» ممتازا للبضائع الأمريكية ، بقوله:
«أسواق البلدان الإسلامية أصبحت مركز تنافس بضائع الغرب والشرق ، حيث تتجه إليها سيول البضائع الأمريكية والأوروبية واليابانية الكمالية واللعب والاستهلاكيات .
ومع الأسف الشديد فانّ مكّة المعظّمة وجدّة والمشاهد المشرّفة في الحجاز . . حيث مركز الوحي ومهبط جبرائيل وملائكة اللّه ، ومحلّ تحطيم الأصنام والبراءة منها ، أصبحت مملوءة ببضائع الأجانب ، وغدت سوقا رائجا لأعداء الإسلام وأعداء الرسول الأعظم صلياللهعليهوآله 6» .
وقد حذّر الإمام بصورة متكرّرة من هذه الظاهرة السيئة الخطيرة التي تحوّل (المنافع) التجارية ـ التي ذكرها المفسِّرون المتقدّمون ـ إلي مضار كبيرة ، بحيث نري أنّ الحجيج يستغرقون الليالي والأيّام في أسواق مكة والمدينة ليشتروا تلك البضائع ، يقول الإمام: «كثير من حجّاج بيت اللّه الحرام الذين يذهبون لأداء فريضة الحج ، ومن المفروض بهم أن يلبّوا استغاثة المسلمين لما يحيط بهم من مؤامرات ، نراهم يتجوّلون غافلين في الأسواق بحثا عن البضائع الأمريكية والأوروبية واليابانية ، وبذلك يُؤلمون قلب صاحب الشريعة بعملهم هذا المسيء إلي كرامة الحج والحجّاج معا»7 .
وفي خطابه للعام التالي (1406ه••) ركّز الإمام في تحذيره علي البضائع الأمريكية خاصة ، وذلك في النقطة الثالثة من توصياته السنوية إلي الحجّاج الايرانيين ، معتبرا عرضها مخالفا لمقاصد الحج وأهدافه ، كما أنّ شراءها يُعدّ دعما ومساندةً لأعداء الإسلام ، بقوله:
«بالنسبة للبضائع المعروضة في الحجاز للحجّاج المحترمين ما كان يرتبط منها بأمريكا ، فانّ عرضها مخالفٌ للأهداف الإسلامية ، بل مخالفٌ للإسلام تماما ، وشراءها دعمٌ لأعداء الإسلام ، وترويجٌ للباطل ، فيجب الاجتناب عن ذلك» .
واعتبر الإمام ـ إبّان الحرب المفروضة ـ أنّه «ليس من الإنصاف أن يقدّم شبابنا أرواحهم في الجبهات ويضحون ، بينما أنتم تساعدون مجرمي الحرب بشرائكم هذه البضائع . . فإنّ في ذلك إساءة إلي الإسلام والجمهورية الإسلامية وشعبكم المظلوم» .
وقد أشار إلي أنّ هذه المسألة قد ذكرها في السنوات السابقة ، بيد أنها تستحق التكرار والتأكيد لأهمّيتها ، حيث يقول:
«لقد ذكّرت بهذا في السنوات الماضية لأهمية الموضوع وحسّاسيته ، ومن واجبي أن اُكرّر ذلك»8 .
ركّز بعض المفسّرين المعاصرين علي التعليل أو الغاية: ليشهدوا منافع لهم ، ورسموا الأبعاد المتنوّعة والمتعدّدة لهذه المنافع ، التي أراد اللّه تعالي أن يشهدها موسم الحج في مكّة المكرّمة .
العلاّمة الطباطبائي في تفسيره (الميزان) نبّه إلي إطلاق تعبير (منافع) ، وعدم تقييده بالدنيوية أو الأخروية ، ممّا يعني شمولهما معا ، وقد عرّف المنافع الدنيويّة بأنّها تلك «التي تتقدّم بها حياة الإنسان الاجتماعية ، ويصفو بها العيش ، وترفع بها الحوائج المتنوعة ، وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ، ومختلف التعاندات والتعاضدات الاجتماعية وغيرها» .
ثمّ أعطي العلاّمة مصاديق هذه المنافع الدنيوية مشيرا إلي الأمور التالية:
أولاً: التعارف بين المسلمين القادمين من أصقاع الأرض المختلفة .
ثانيا: اتحاد المسلمين علي كلمة واحدة هي كلمة الحق .
ثالثا: التعاون فيما بينهم في سبيل حلّ مشاكلهم .
رابعا: امتزاج المجتمعات الإسلامية لتكون «مجتمعا وسيعا له من القوّة والعدّة ما لا تقوم له الجبال الرواسي ، ولا تقوي عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة ، ولا وسيلة إلي حلّ مشكلات الحياة كالتعاضد ، ولا سبيل إلي التعاضد كالتفاهم ، ولا تفاهم كتفاهم الدِّين»9 .
ومن المفسِّرين المعاصرين الذين أعطوا لآية المنافع دلالاتها وأبعادها ، هو صاحب (في ظلال القرآن) سيّد قطب ، حيث يقول:
«والمنافع التي يشهدها الحجّ كثيرة ، فالحجّ موسمٌ ومؤتمر . الحجّ موسم تجارة وموسم عبادة. والحجّ مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون، وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة ، كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.
ثمّ يعدّد هذه المنافع الكثيرة ، ويرسم بريشته الفنّية الأرواح وهي ترفّ حول بيت اللّه وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترفّ كالأطياف .
طيف إبراهيم الخليل عليهالسلام وهو يودّع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمّه ، ويتوجّه بقلبه الخافق الواجف إلي ربِّه: ربّنا انّي أسكنت من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم . . . .
وطيف هاجر ، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرّة الملتهبة حول البيت ، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش ، وهدّها الجهد وأضناها الاشفاق علي الطفل . . ثمّ ترجع في الجولة السابعة وقد حطّمها اليأس لتجد النبع يتدفّق بين يدي الرضيع الوضيء . وإذا هي زمزم ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب .
وطيف إبراهيم عليهالسلام وهو يري الرؤيا ، فلا يتردّد في التضحية بفلذّة كبده . . .
وطيف إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع...»10 .
ويستمرّ (سيِّد) في رسم تلك الأطياف . . إلي أن يقول:
«والحجّ بعد ذلك كلّه مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة . مؤتمرٌ يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا . . ويجدون محورهم الذي يشدّهم جميعا إليه: هذه القبلة التي يتوجّهون إليها جميعا ، ويلتقون عليها جميعا . . ويجدون قوّتهم التي قد ينسونها حينا . قوّة التجمّع والتوحّد والترابط الذي يضمّ الملايين . الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلي رايتها الواحدة التي لا تتعدّد . . راية العقيدة والتوحيد» .
«وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوي ، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب ، وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرّة في كلّ عام . . .» .
ويري صاحب (في ظلال القرآن) أنّ كلّ ذلك يمثِّل «بعض ما أراده اللّه بالحجّ يوم فرضه علي المسلمين ، وأمر إبراهيم عليهالسلام أن يؤذن به في الناس» ليشهدوا منافع لهم . . فإنّ كلّ جيل يشهد تلك المنافع «بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته»11!
ركّز الإمام علي آية (شهود المنافع) كثيرا ، وذكرها في العديد من خطاباته السنوية التاريخية في موسم الحج ، وأعطي دلالاتها وتطبيقاتها معا .
وقد أكّد علي شمولية هذه المنافع؛ لتشمل كلّ نفع للمسلمين والاُمّة الإسلامية علي جميع الأصعدة الروحية والسياسية والثورية والاجتماعية والاقتصادية ، وقد دعا ـ بقوّة ـ الحجيج جميعا إلي تحقيق تلكم المنافع المتنوّعة في ذلك «المؤتمر الإسلامي الكبير ، في الأيام المباركة والأرض المباركة» ، قائلاً:
«علي المسلمين الملبِّين لدعوة اللّه تعالي أن يستفيدوا من المحتوي السياسي والاجتماعي ، إضافة إلي المحتوي العبادي ، وأن لا يكتفوا بالشكل والصورة فحسب»12 .
وقد أطلق الإمام في خطاباته زفرات الأسف واللوعة علي ما آل إليه المسلمون في الغفلة عن تلكم (المنافع) العظيمة ، التي توخّاها القرآن من تشريعه لفريضة الحجّ . . إلي درجة بدا فيها (الحجّ الإبراهيمي ـ المحمّدي) غريبا ومهجورا ، حيث يصرّح قائلاً:
«إنّ الحجّ (الإبراهيمي ـ المحمدي) غريبٌ ومهجور منذ سنين علي الصعيد المعنوي والعرفاني ، كما هو غريب ومهجور علي الصعيد السياسي والاجتماعي ، وعلي الحجّاج الأعزّاء من جميع أقطار العالم الإسلامي أن يزيلوا عن بيت اللّه غربته علي الأبعاد والأصعدة كافّة»13 .
ولهذا حذّر من أن يكون هذا الاجتماع المليوني للمسلمين الآتين من كلِّ فجٍّ عميق ، مصداقا للرواية القائلة:
«ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج»14!
وهناك مقولة رائعة للإمام تعبّر عن مدي المنافع والعطاءات لفريضة الحج ، وعلي جميع الأصعدة ، وهي: «الحجّ كالقرآن مائدة ينتفع منها الجميع»15 ، ولذا فإنّه يري الاستفادة من جواهر بحره تختلف بحسب اختلاف مستويات الناس الفكرية والثقافية ، وحملهم لهموم الأمّة الإسلامية ، وشعورهم بآلامها وآمالها .
كما يري أنّ الحجّ يشبه القرآن في غربته ومهجوريته ، حيث يقول: «الحجّ مهجور كالقرآن»16 .
من هنا ندرك أنّ الإمام يري أنّ الحج كالقرآن في أعماقه ، وكالقرآن في غربته .
من هذا المنطلق يوجب مفسّرنا الإمام علي جميع المسلمين «أن يسعوا من أجل إعادة الحياة إلي الحجّ والقرآن معا» ، كما يدعو علماء الإسلام الملتزمين إلي «أن يضطلعوا بمسؤولية تقديم وإعطاء التفاسير السليمة والواقعية لفلسفة الحج ومناسكه ، بعيدا عمّا تنسجه خيالات وتصوّرات (علماء البلاط) من خرافات» .
لقد ركّز الإمام علي البعد (السياسي ـ الاجتماعي) في قوله تعالي: ليشهدوا منافع لهم؛ أكثر ممّا ركّز علي البعد (النفسي ـ العرفاني) ، رغم تصريحه بأنّ البعد الثاني هو الأساس ، وهو المنطلق لكلّ الأبعاد الأخري ، حيث صرّح قائلاً:
«إنّ البعد (السياسي ـ الاجتماعي) لا يتحقّق إلاّ بتحقّق بُعده المعنوي الإلهي»17 .
وقد كان يؤكّد في كتبه أنّه: ما لم تتكسّر أصنام كعبة القلب ، لا يمكن للإنسان أن يكسِّر الأصنام الأخري الحجرية والبشرية المتمثّلة بالطاغوت السياسي ـ الاجتماعي18 ، ذلك لأنّ الإنانية هي اُمّ الأوثان وأعدي أعداء الإنسان19 ، وأنّ «كلّ جهود الأنبياء من آدم حتّي الخاتم استهدفت كسر صنم الذاتية الذي هو أكبر الأصنام ، ثمّ كسر بقية الأصنام»20 .
ولهذا يري أنّ الطواف حول الكعبة «يرمز إلي عدم الالتفاف حول غير اللّه»21 ، كما هو «رمزٌ إلي عشق اللّه وتنزيهٌ للنفس من أن تخاف غيره تعالي»22 ، كما أنّ الصفا والمروة يمثِّل «السعي لإيجاد المحبوب»23 .
بيد أنّ سر تركيز الإمام علي البعد (السياسي ـ الاجتماعي) في فريضة الحج يكمن في إيمانه بأنّ أعداء الإسلام ما تآمروا علي بُعد من أبعاد الحجّ أكثر ممّا تآمروا علي هذا البعد السياسي الاجتماعي ، من أجل أن يفرغوا فريضة الحج منه ، حتي غدا الحج أبعد ما يكون عن السياسة والاجتماع!! يقول الإمام:
«إنّ من أكثر أبعاد الحجّ تعرّضا للغفلة والهجران هو البعد السياسي لهذه المناسك العظيمة . ولقد عملت الأيدي الآثمة أكثر ما عملت ـ ولا زالت ـ علي هجرانه» .
ولهذا فإنّ «المسلمين اليوم ، وفي هذا العصر ـ عصر الغاب ـ مسؤولون أكثر من أيّ وقتٍ مضي علي إبرازه وإزالة الحجب عنه» .
تغييب البعد السياسي: مؤامرة كبري
يري الإمام قدسسره أنّ تغييب البعد السياسي الاجتماعي الثوري لفريضة الحجّ ومناسكه إنّما هو مؤامرة كبري تولّي كبرها عناصر ثلاثة:
العنصر الأوّل: الاستكبار العالمي (المتلاعبون الدوليون) .
العنصر الثاني: الحكّام العملاء التابعون .
العنصر الثالث: العلماء (المزيّفون + المتحجّرون) .
ولا يخفي أنّ العنصر الثالث يتضمّن طائفتين:
أ ـ المزيّفون المأجورون (وعّاظ السلاطين) ، أو (علماء البلاط) .
ب ـ المتنسكون المتحجّرون (المتزمتون) .
ولا يكاد يخلو خطاب سنوي تاريخي من خطابات الإمام في موسم الحج ، من تسليط الأضواء علي هذه المؤامرة الكبري بأطرافها الثلاثة ، التي نجحت إلي حدٍّ كبير في إفراغ الحج من محتواه السياسي ، ومضمونه الاجتماعي الثوري .
ففي عام 1404ه•• كشف الغطاء بصراحة عن مثلث التآمر ، قائلاً:
«لقد عملت الأيدي الآثمة أكثر ما عملت ـ وما زالت ـ علي تغييبه وهجرانه ، يساندهم في ذلك ـ عن علم أو غير علم ـ عملاؤهم الطامعون والغافلون الجهلة ، وعلماء الدين المأجورون أو المنحرفون ، والمتنسكون المتزمّتون المتحجّرون»24 .
وهذا النصّ يشير بصراحة إلي مثلث التآمر برؤوسه الثلاثة .
وفي بداية ذات الخطاب أكّد علي العنصر الأوّل والثاني باعتبارهما الأخطر؛ لأنّ العدوّ الداخلي أخطر بكثير من العدوّ الخارجي ، حيث يقول:
«ومن المؤسف أنّ الأبعاد المختلفة والمتنوّعة لهذه الفريضة المصيرية العظيمة ، بقيت مغيّبة من وراء حجب ، بسبب انحرافات حكومات الجور في البلدان الإسلامية [العنصر الثاني] ، ووعاظ السلاطين السافلين [العنصر الثالث ـ أ] ، وسوء فهم بعض علماء الدين المتزمّتين المتحجّرين في العالم الإسلامي [العنصر الثالث ـ ب]»25 .
ومن دون شك فإنّ العنصر الأخطر في هذه المؤامرة هو العنصر الثالث بكلا قسميه ، وقد عاني الإمام منهم ـ كما صرّح بذلك ـ أكثر ممّا عاني من أمريكا!!
يقول الإمام: «وقد بلغ الأمر بهؤلاء المنحرفين إلي أن وقفوا معارضين لإقامة الحكومة الإسلامية ، واعتبروها أسوأ من حكومة الطاغوت ، وحصروا فريضة الحج الكبري بظواهر فارغة ، واعتبروا طرح مشاكل المسلمين والبلدان الإسلامية (في هذا المؤتمر الإسلامي المليوني) مخالفة للشريعة ، بل يصل إلي حدّ الكفر!!
هؤلاء العملاء المرتبطون بالحكومات الجائرة المنحرفة صوّروا صرخة المظلومين المجتمعين من أرجاء العالم ، وفي مركز النداء هذا ، بأنّها زندقة مخالفة للإسلام!!
هؤلاء المهرِّجون ـ من أجل إبقاء المسلمين علي تخلّفهم ، وفتح الطريق أمام الغزاة والسلطويين . . . حصروا الإسلام في زوايا المساجد والمعابد ، واعتبروا الاهتمام بأمور المسلمين مخالفا للإسلام ولواجبات المسلمين وعلماء الإسلام!!»26 .
وعاظ السلاطين يدينون رسول اللّه صلياللهعليهوآله !
«إنّ الحجّ ـ منذ انبثاقه ـ لا يقلّ بعده السياسي أهميّةً عن بعده العبادي ، بل إنّ البعد السياسي هو بذاته عبادة»27 ، وإنّ «البعد السياسي» يمثِّل «إحدي حكم الحجّ الكبري»28 ، وإنّ «الحجّ إنّما هو لهذه المسائل (السياسية ـ الاجتماعية . .) إنّما هو لقيام الناس قياما للناس29 ، لكي يدرك المسلمون مشاكلهم ويسعوا في حلّها»30 .
ولهذا فإنّه خاطب عام 1403ه•• ، أحد وعّاظ السلاطين الذي أفتي بمخالفة الهتاف ضد أمريكا وإسرائيل لمراسم الحج وقدسيّة بيت اللّه الحرام ، قائلاً له:
«هل التأسّي برسول اللّه واتّباع أمر اللّه مخالف لمراسم الحجّ؟!
هل تنزهون مراسم الحج من البراءة من المشركين ؟!
أتكتمون أوامر اللّه ورسوله من أجل متاع الحياة الدنيا ، وترون إعلان البراءة من أعداء الإسلام والظالمين كفرا31؟!»
وفي نفس الخطاب ، أكّد علي الدور السيئ لـ (وعّاظ السلاطين) في إفراغ الحجّ من محتواه ومضمونه بإبعاده عن السياسة والاجتماع ، وأنّهم بمقولاتهم «يدينون رسول اللّه صلياللهعليهوآله ، ويدينون أئمّة الهدي»32 .
وفي عام 1407ه•• ، أشار الإمام في خطابه التاريخي إلي تصاعد دور (العناصر الثلاثة) في الوقوف أمام الوعي السياسي لفريضة الحج ومناسكه ، الذي بدأ ينتشر في صفوف المسلمين ، وحذّر من تسخير (الناهبين الدوليين) لعلماء البلاط ، ووعاظ السلاطين؛ لإشاعة فلسفاتهم وتحليلاتهم الخاطئة والمنحرفة ، التي تجرّد الحج من مقاصده السياسية وغاياته الاجتماعية تحت شعار (قدسية الكعبة وحرمتها) . هذا إضافة إلي (المتنسكين الجاهلين) [العنصر الثالث ـ ب] الذين يرون أنّ الحج ليس له علاقة بالأمور السياسية .
يري الإمام أنّ مقولات هؤلاء هي «من إيحاءات ومكر السياسات الخفيّة للناهبين الدوليين»33 .
وفي آخر نداء تاريخي له وجّهه عام (1408ه••) إلي الحجيج الآتين من كلِّ فجٍّ عميق ، سلّط الأضواء علي الدور الخطير لمن أسماهم بـ (أحفاد بلعم بن باعورا)34 في طمس فلسفة ومقاصد فريضة الحج ، وتفريغها من محتواها الفاعل؛ ليكون الحج «ما هو إلاّ رحلة سياحية يتمّ فيها زيارة (القبلة) و(المدينة) لا أكثر! ، وذلك من خلال تساؤلاتهم التعجبية الاستنكارية حول علاقة الحج بالسياسة ومشاكل المسلمين والناس المستضعفين في العالم:
ما علاقة الحج بالبحث عن أساليب الجهاد والنضال ، وسبل مواجهة قوي الشرك والاستكبار؟!
ما علاقة الحج بالمطالبة بحقوق المسلمين والمستضعفين من الظالمين الجائرين؟!
ما علاقة الحج بمشاكل المسلمين ومعاناتهم ، والتفكير بإيجاد الحلول لها؟!
ما علاقة الحج بظهور المسلمين كقوّة كبري ومقتدرة في العالم؟!
ما علاقة الحج بدعوة المسلمين إلي القيام والنهوض والانتفاضة ضدّ الأنظمة الطاغوتية العميلة التي تتحكّم علي رقابهم35؟!» .
في كثير من خطاباته السنوية في موسم الحج أعطي الإمام أهم المفردات السياسية والاجتماعية لمنافع ذلك الحشد المليوني الهائل للمسلمين الملبّين نداء الحجّ ، من شرق الأرض وغربها .
ومن خلال استقراء تلك الخطابات والنداءات نستطيع أن نتلمس أهم تلك المنافع والمفردات:
المنفعة الأولي: قطع يد الاستكبار العالمي عن الاُمّة الإسلامية .
يصرّح الإمام في أكثر من خطاب بأنّه لا توجد منفعة أعظم وأسمي من قطع يد الاستكبار العالمي عن أمتنا الإسلامية بل عن المستضعفين جميعا:
«وأيّ منافع أعظم وأسمي من قطع يد جبابرة العالم والظالمين من السيطرة علي البلدان المظلومة ، ومن أن تكون الذخائر المادية العظيمة للبلدان ملكا لشعوبها؟!»36 .
وفي خطابٍ آخر يقول:
«علي المسلمين المجتمعين في مواقف هذه العبادة الرامية إلي تجميع المسلمين من كلّ أرجاء الأرض؛ ليشهدوا منافع لكلّ المستضعفين في العالم ، وأيّ منافع أعظم من قطع يد الطامعين عن البلدان الإسلامية؟!»37 .
المنفعة الثانية: التفاهم وترسيخ الاُخوّة بين المسلمين .
يعتبر الإمام «أنّ واحدا من أهم أركان فلسفة الحج هو إيجاد التفاهم وترسيخ الاُخوّة بين المسلمين»38 .
ولا يكاد يخلو خطاب للإمام في موسم الحج من الدعوة إلي وحدة الكلمة بين المسلمين ، وضرورة نبذ الفرقة والتمزّق والتشتّت الذي يسعي أعداء الإسلام إلي إبقائه والمحافظة عليه .
ولهذا يري الإمام أنّ «من واجبات هذا التجمّع العظيم ، دعوة الناس والمجتمعات الإسلامية إلي وحدة الكلمة ، وإزالة الخلافات بين فئات المسلمين . وعلي الخطباء والوعّاظ والكتّاب أن يهتمّوا بهذا الأمر الحيوي ، ويسعوا إلي إيجاد جبهة للمستضعفين للتحرّر ـ بوحدة الجبهة ووحدة الكلمة وشعار (لا إله إلاّ اللّه ـ من أسر القوي الأجنبية الشيطانية والمستعمرة»39 .
من هذا النص يظهر جليّا أنّ المنفعة الأولي (قطع يد الاستكبار) لا تأتي إلاّ بتحقيق المنفعة الثانية (الوحدة والتآزر) .
من هذا المنطلق يخاطب الإمام حجّاج بيت اللّه الحرام كافة قائلاً:
«تبادلوا وجهات النظر ، وتفاهموا لحلّ مشاكل المسلمين المستعصية .
اِعلموا أنّ هذا الاجتماع الكبير الذي يعقد سنويا بأمر اللّه في هذه الأرض المقدّسة يفرض عليكم ـ أنتم المسلمون ـ أن تبذلوا الجهود علي طريق الأهداف الإسلامية المقدّسة ومقاصد الشريعة المطهّرة السامية ، وعلي طريق تقدّم المسلمين وتعاليهم واتحاد المجتمع الإسلامي وتلاحمه»40 .
المنفعة الثالثة: اجتماع رجال السياسة في العالم الإسلامي
يري الإمام أنّ هناك فرصة ذهبية لزعماء السياسة في العالم الإسلامي أن يستثمروا موسم الحج؛ ليعقدوا في مكّة مؤتمرا إسلاميا عالميا يطرحوا فيه كلّ مشاكل المسلمين السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ليكتشفوا لها الحلول الناجعة:
«علي زعماء القوم أن يجتمعوا في مكّة المعظّمة استجابةً لأمر اللّه تبارك وتعالي ، وأن يطرحوا مشاكلهم بينهم ويتغلّبوا عليها . ولو حدث ذلك ما استطاعت القوي الاُخري أن تقف بوجههم مهما كانت عظمتها» .
ويتساءل الإمام مستغربا ومتعجّبا علي ما آلت إليه أوضاع المسلمين:
لماذا يغفل المسلمون عن قدرة الإسلام العظيمة التي مكّنت شعبا ليغلب بيد خالية دولة غاصبة كبري؟
لماذا تعيش الحكومات الإسلامية الغفلة عن هذه القوة العظيمة المقتدرة؟
لماذا تتلقّي الحكومات العربية الصفعات خلال السنوات المتمادية من الصهيونية؟
لماذا كلّ هذا الاستسلام والرضوخ لسيطرة القوي الأجنبية؟
لماذا لا يجتمعون ولا يتعاضدون ليكونوا تجسيدا لقول النبيّ الأعظم صلياللهعليهوآله : (وهم يدا علي من سواهم) .
إنّ مشكلة المسلمين تكمن في العداء المرير بين الحكومات الإسلامية الذي أنشأه الاستعمار بعد الحرب العالمية41 .
من هذا المنطلق يقترح الإمام ذهاب رجال السياسة والفكر والأدب والثقافة إلي الحج ، وأن لا يقتصر الحج علي عامة الناس .
إنّه ينفث زفرات اللوعة والأسف علي غفلة المسلمين عن هذا الأمر الحيوي والفاعل ، حيث يقول:
«نحن الآن ليس لنا من التشرّف بمكّة وحجّ بيت اللّه الحرام سوي ذهاب مجموعة من عامة الناس إلي هناك ، ومع الأسف الشديد فإنّ مسألة ذهاب أشخاص فاعلين من الحكومات ورجال القوم (من أصحاب الفكر والكتاب والثقافة) ؛ ليجتمعوا هناك ويدرسوا مسائل الإسلام والمسائل السياسية والاجتماعية للمسلمين ، هذه المسألة مغفولٌ عنها .
إنّ مشاكل المسلمين كثيرة ، ولكن مشكلة المسلمين الكبري هي أنّهم وضعوا القرآن الكريم جانبا وانضووا تحت لواء الآخرين» .
«القرآن الكريم يقول: واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا42 ولو عمل المسلمون بهذه الآية الواحدة؛ لانحلّت جميع مشاكلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من دون التشبّث بالآخرين»43 .
المبحث الثاني: آية البراءة من المشركين
انطلاقا من آية البراءة: وأذانٌ من اللّه ورسوله يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسولُه44 ، دعا الإمام الخميني الحجيج الآتين من كلِّ فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ، إلي ضرورة إعلان البراءة من المشركين والمستكبرين في موسم الحج ، وفي مكة المكرّمة؛ ليطلقوا «بجوار بيت التوحيد صرخة البراءة من المشركين والملحدين من مستكبر رأسه أمريكا المجرمة»45 .
وما ركّز الإمام علي آية من الآيات المباركة في فريضة الحج ، كما ركّز علي آية البراءة ، حيث إنّه سلّط الأضواء الكاشفة علي هذه الآية ، ودعا بكلّ قوّة وإصرار إلي تجسيدها في واقعنا المعاصر . . حتّي لا نعيش التفسير الدلالي والمفاهيمي للقرآن بعيدا عن التجسيد والتطبيق .
ولا يكاد يخلو خطاب من خطابات الإمام في موسم الحج من ذكر لآية البراءة ودعوة إلي تجسيدها في واقعنا المعاصر .
ويمكن تلخيص تفسيره الدلالي والتطبيقي لآية البراءة بالنقاط التالية:
أوّلاً: إعلان البراءة: إحياء لذكري حادثةٍ سياسية كبري
يري الإمام أنّ «إرسال سورة (براءة) لقراءتها في ذلك الجمع إنّما كان يستهدف تعليمنا ضرورة قراءة سورة براءة في ذلك المكان»46 .
كما يري أنّ إعلان البراءة في موسم الحج يعتبر «إحياءً لذكري أهمّ وأكبر حركةٍ سياسيةٍ للرسول صلياللهعليهوآله ، التي عبّر عنها القرآن بقوله: وأذانٌ من اللّه ورسوله إلي الناس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسولُه ، ذلك لأنّ سنّة الرسول صلياللهعليهوآله وإعلان البراءة لن يبليا»47 .
إنّ «إعلان البراءة من المشركين في موسم الحج ، هو إعلانٌ سياسي ـ عبادي»48 .
ومهما اختلف المفسِّرون في تعيين المراد من يوم الحجّ الأكبر ـ يوم النحر كما جاء في روايات أهل البيت عليهمالسلام أو يوم عرفة أو جميع أيّام الحج ـ فإنّ الآية المباركة واضحة في دلالتها في إعلان البراءة من المشركين في أكبر يوم من أيّام الحج ، حيث يجتمع المسلمون الآتون من كلّ فجٍّ عميق؛ ليشتركوا في مراسم إعلان صرخة البراءة تلك ، وليكونوا علي اُهبة الاستعداد لإنفاذ أمر اللّه فيهم بقتال أعداء اللّه بعد انسلاخ الأشهر الحرم حيث وجدتموهم في أي زمان ومكان ، في حلٍّ أو حرم ، وبأيّ وسيلة ممكنة بالأخذ أو الحصر أو القعود لهم في كلِّ مرصد وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد حتّي يفنوا عن آخرهم ، وتطهر الأرض من وجودهم .
وقد ذكر المفسِّرون من الفريقين أنّ الرسول الأكرم صلياللهعليهوآله كان قد بعث أبا بكر مع (براءة) ليقرأها علي الناس فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال: لا يبلِّغ عنك إلاّ علي ، فأمر رسول اللّه صلياللهعليهوآله عليّا أن يلحق أبا بكر ليأخذها منه ويقرأها علي الناس .
فقد جاء في الدر المنثور للسيوطي: أخرج عبداللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند ، وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضياللهعنه قال: لمّا نزلت عشر آيات من براءة علي النبي صلياللهعليهوآله دعا أبا بكر ليقرأها علي أهل مكّة ، ثمّ دعاني فقال لي؛ أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه . ورجع أبو بكر ، فقال: يارسول اللّه نزل فيَّ شيء؟ قال: لا ، ولكن جبريل جاءني فقال لي: لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك»49 .
وفي الدرّ المنثور كذلك: أخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أنّ رسولاللّه صلياللهعليهوآله بعث أبا بكر ببراءة إلي أهل مكة ، ثمّ بعث عليا علي أثره ، فأخذها منه فكأن أبا بكر وجد في نفسه ، فقال النبي صلياللهعليهوآله : يا أبا بكر إنّه لا يؤدِّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي»50 .
من هذا المنطلق يعتبر الإمام أنّ إعلان البراءة يمثِّل حدثا تاريخيا عظيما في مسيرة الإسلام بقيادة الرسول الأكرم صلياللهعليهوآله ، قد حقّق انعطافة في الموقف تجاه المشركين وأعداء الدين ، وأننا إذا قمنا بإعلان البراءة في موسم الحجّ فإنّما هو تأسٍ برسول اللّه صلياللهعليهوآله وإحياء لسنّته .
ولهذا يستنكر الإمام علي فتاوي (وعّاظ السلاطين) و(علماء البلاط) من تحريمهم إعلان البراءة في مكة ، وفي موسم الحجّ ، بحجّة الأمن والسلامة وقدسيّة الكعبة المشرّفة!!
يخاطب الإمام ذلك «الواعظ العميل الذي يري الهتاف ضدّ أمريكا واسرائيل مخالفا لمراسم الحج» ، قائلاً: «وهل التأسّي برسول اللّه واتّباع أمر اللّه مخالف لمراسم الحجّ؟!
هل أنت وأمثالك من الوعّاظ الأمريكيين تخطِّئون فعل رسول اللّه صلياللهعليهوآله وأمر اللّه؟!
هل التّأسّي بتلك الشخصية الكبري ، وإطاعة أمر اللّه تعالي مخالف للإسلام؟!
هل تنزّهون مراسم الحجّ من البراءة من الكفّار؟!
أتغطون علي أوامر اللّه ورسوله من أجل مصالحكم الدنيوية ، وترون البراءة من أعداء اللّه من محاربي المسلمين ومن الظالمين ولعنهم كفرا؟!»51 .
ولم يشجب الإمام (وعّاظ السلاطين) فحسب ، بل هناك ممّن يسمّيهم «المتنسكين الجاهلين» يدّعون ـ كذلك ـ أنّ حرمة وقدسيّة الكعبة المعظّمة ، تنتهك برفع الشعارات وإقامة التظاهرات والمسيرات وإعلان البراءة!!52
ويعتبر الإمام أنّ «مثل هذه الأقاويل هي من إيحاءات وخبث السياسات الخفيّة للناهبين الدوليين ، ولابدّ للمسلمين أن ينهضوا ، وبكلّ ما لديهم من إمكانات . . . لخوض المواجهة الجادّة ، والدفاع عن القيم الإلهية ومصالح المسلمين»53 .
ثانيا: الكعبة أجدر وأنسب بيت لإعلان البراءة
يتساءل الإمام متعجّبا ومستنكرا علي أولئك الذين يعتبرون إعلان البراءة في موسم الحج يسيئ إلي فريضة الحج ومناسكها ، كما يسيئ إلي قداسة البيت الحرام ، قائلاً:
«وأيّ بيت أفضل وأنسب وأجدر من (الكعبة) المشرّفة ، بيت الأمن والطهارة والناس54؛ لإعلان البراءة ، قولاً وعملاً ، بوجه كلِّ أشكال الظلم والاستغلال والعبودية والدناءة واللإنسانية؟!»55 .
«إذا لم يعلن المسلمون براءتهم من أعداء اللّه ، في بيت الناس وبيت اللّه ، فأين اذن يُعلنون البراءة؟!
وإذا لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب معاقل وسندا لجنود اللّه والمدافعين عن الحرم وحرمة الأنبياء ، فأين إذن يكمن مأمنهم وملجأهم؟!»56 .
ينطلق الإمام بنظرته هذه إلي دور الكعبة والمسجد الحرام ، من منطلق القرآن ، الذي تعطي آياته بكلّ صراحة ووضوح ذلك الدور العظيم الذي لا ينفكّ عن القيام والنهوض والبراءة من المشركين والمستكبرين .
الآية الاُولي: جَعَلَ اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للناس57 .
يري الإمام: أنّ اللّه عزّوجلّ في هذه الآية المباركة «يقرّر أنّ سرّ الحجّ وبواعثه والغاية من الكعبة والبيت الحرام هي نهوض المسلمين وقيامهم في سبيل مصالح الناس والجماهير المستضعفة في العالم»58 .
لقد بدأ خطابه عام 1401 والموجّه إلي حجّاج بيت اللّه الحرام ، بآية القيام ، أعطي فيه السبل التي تجعل من ذلك التجمّع المليوني في موسم الحج مصدر نهوض المسلمين وقيامهم في سبيل مصالح الناس المستضعفين في العالم .
ولن يتحقّق ذلك القيام إلاّ إذا وعي المسلمون الآتون من كلِّ فجٍّ عميق مقاصد وأهداف الحج الكبري ، وعرفوا واجباتهم في ذلك «التجمّع الإلهي العظيم الذي لا تستطيع أيّ قدرة سوي قدرة اللّه أن تعقده» .
ودراسة مشاكل المسلمين ، وبذل الجهود في سبيل إيجاد الحلول لها ، هو الواجب الأوّل الذي يجب أن يضطلع به أولئك الحافّون حول بيت اللّه الحرام .
ويري الإمام: أنّ «إحدي أكبر هذه المشاكل وأكثرها أهمّية هي عدم الوحدة بين المسلمين وتمزّقهم وتشتّتهم»59 .
«هذا المسجد الحرام ومساجد عصر رسول اللّه صلياللهعليهوآله كانت مركز الحروب ، ومركز السياسات والشؤون الاجتماعية والسياسية»60 .
«لو أننا ذهبنا إلي الحج ، ولم نأخذ بنظر الاعتبار مصالح المسلمين ، بل وخلافا لمصالح المسلمين نغطّي علي الجرائم التي ترتكب بحقّهم ، ولا ندع المسلمين يتداولون ما ترتكبه بحقّهم الحكومات والقوي الكبري من جرائم ومظالم ، فليس هذا بحجٍّ؛ لأنّه صورة فاقدة للمعني ، وشكل مفرّغ من المضمون»61 .
الآية الثانية: وإذْ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود62 .
انطلاقا من هذه الآية المباركة يري الإمام أنّ «الكعبة التي هي أُمّ القري وما امتدّ منها حتّي آخر نقطة في الأرض ـ وإلي آخر يوم من حياة العالم ـ ينبغي أن تطهّر من لوثة الأصنام مهما كانت هياكل أم شمسا أم قمرا أم حيوانا أم إنسانا . وأيّ منهم أسوأ من (الطواغيت) علي مرّ التاريخ ، ابتداءً من زمان آدم صفي اللّه ومرورا بإبراهيم خليل اللّه ومحمّد حبيب اللّه . . . حتي آخر الزمان ، حيث يرفع محطّم الأصنام الأخير نداء التوحيد من الكعبة؟!» .
ويشجب الإمام النظرة الضيّقة الخاطئة للأصنام ، التي تحصرها بالأصنام الحجرية فحسب ، حيث يتساءل: «أَليست القوي الكبري في زماننا هذا أصناما كبري تدعو الناس إلي طاعتها وعبادتها والخضوع لها ، وتفرض نفسها عليهم بالقوّة والمال والتزوير؟!
مكّة المعظّمة هي المركز الوحيد لتحطيم هذه الأصنام . إنّ إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وحبيب اللّه محمّدا صلياللهعليهوآله ، وابنه العزيز المهدي الموعود ـ روحي فداه ـ رفعوا وسيرفعون نداء التوحيد في آخر الزمان من الكعبة المشرّفة» .
«والمهدي المنتظر علي لسان كلِّ الأديان وبإجماع المسلمين يَرفع نداءَه من الكعبة ، ويدعو البشرية إلي التوحيد ، والجميع يرفعون نداءهم من مكّة ، وعلينا أن نتّبعهم ، ونعلن كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة من ذلك المكان المقدّس»63 .
«وما لم نعقد الاجتماعات الحيّة المدويّة في مركز تجمّع المسلمين (مكة المكرّمة) ، وما لم نكسِّر الأصنام ونرجم الشياطين وعلي رأسهم الشيطان الأكبر في (العقبات) ، لن يكون حجّنا حجّ خليل اللّه وحبيب اللّه ووليّ اللّه المهدي العزيز ، ولقيل في حقّنا: «ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج»!64 .
الآية الثالثة: إنّ أوّل بيت وضع للناس للّذي ببكّة مباركا وهُدًي للعالمين65 .
هذه الآية المباركة ـ كما يري الإمام ـ تقرّر أنّه ليس هناك أولوية ببيت اللّه علي سائر الناس ، لشخص أو مجموعة أو طائفة . . فإنّ الناس جميعا ، أينما كانوا ، وفي أيّ بقعةٍ من بقاع الأرض ، في مشارقها ومغاربها ، مكلّفون أن يكونوا مسلمين ، وأن يجتمعوا في هذا البيت الذي وُضع للناس ، وأن يزوروا هذا البيت المقدّس .
«بيت اللّه الحرام هو أوّل بيت وضع للناس ، إنّه بيتٌ عام ، ليس لشخص ولا لنظام ولا لطائفة حقّ الأولوية فيه ، سواء فيه أهل البادية وسكنة الصحراء والمتنقلون ، والعاكفون وسكنة المدن»: سواءً العاكفُ فيه والباد66 .
«هذا البيت المعظّم بني للناس ، ولقيام الناس ، وللنهوض العام ، ولمنافع الناس ، وأيّ منافع أعظم وأسمي من قطع يد جبابرة العالم والظالمين من السيطرة علي البلدان المظلومة»67 .
ثالثا: صرخة البراءة هي صرخة المستضعفين المظلومين .
يري الإمام أنّ إعلان البراءة لا يتجزّأ؛ لأنّه يمثِّل صرخة براءة المستضعفين والمحرومين بوجه المستكبرين الظالمين . . وبالتالي يُعبّر إعلان البراءة في موسم الحج من قبل المسلمين الآتين من أصقاع الأرض الإسلامية عن الرفض لكلّ الظالمين الذين يتحكّمون برقاب المسلمين .
يقول الإمام: «إنّ صرخة براءتنا من المشركين والكافرين اليوم هي صرخة البراءة من الظلم والظالمين ، هي صرخةُ اُمّة ضاقت ذرعا باعتداءات الشرق والغرب ، وعلي رأسهم أمريكا وأذنابها ، وغضبُ مَن نُهب بيتها وثرواتها» . ثمّ يقول:
«إنّ صرخة براءتنا هي صرخة الشعب الأفغاني المظلوم ضد الاتحاد السوفيتي» .
«وإنّ صرخة براءتنا هي صرخة الشعوب المسلمة المضطهدة في أفريقيا» .
«إنّ صرخة براءتنا هي صرخة الشعبين اللبناني والفلسطيني . .» .
«إنّ صرخة براءتنا هي صرخة جميع الذين ما عادوا يتحمّلون فرعنة أمريكا وتواجدها السلطوي . .» .
«إنّ صرخة براءتنا هي صرخة الدفاع عن الشعوب والكرامات والنواميس . .» .
«إنّ صرخة براءتنا هي صرخة الفقراء والجياع والمحرومين الذين نهب الجشعون والقراصنة الدوليون حصيلة كدِّ يمينهم وعرق جبينهم» .
حرص القرآن الكريم علي تحديد مقاصد وأهداف فريضة الحج ومناسكها ، والدور الذي يضطلع به بيت اللّه الحرام ، واستنكر المحاولات التي تجعل ما ليس في المقاصد والأهداف والقيم مقصدا أكبر وهدفا أسمي وقيمةً أعلي .
من هذا المنطلق نزلت آية (سقاية الحاج) لتحبط إحدي تلك المحاولات الخاطئة في تشخيص القيم والأولويات ، علي أثر تلك الحادثة المعروفة التي يذكرها المفسِّرون في أسباب نزول68 قوله تعالي:
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه . . .69 .
يري الإمام الخميني أنّ هذه الآية الشريفة كأنها نزلت اليوم ، وفي واقعنا المعاصر ، حيث اعتبر بعض أنّ سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام من أكبر الأعمال والمنجزات والمقاصد في موسم الحج ، وراح يفتخر بذلك . . من خلال الحديث عن الخدمات التي يوفّرها ، والتوسعات المعمارية التي أنشأها ، وما إلي ذلك من الاُمور التي تدخل تحت عنوان (سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) .
ولهذا يقول الإمام:
«كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن حالنا ، وتصف الانشغال بسقاية الحاج وبعمارة المسجد الحرام ـ مع الغفلة عن الإيمان باللّه وباليوم الآخر ، والابتعاد عن الجهاد في سبيل اللّه ـ بأنّه ظلم ، وتعتبر الفاعلين لذلك ظالمين»70 .
وقد نبّه الإمام إلي هذه الحقيقة القرآنية ، قائلاً:
«ها أنا أغتنم هذه الفرصة؛ لأشير إلي إحدي آيات الكتاب الكريم ، حيث يقول جلّ وعلا: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين71 .
ويوضّح الإمام دلالات الآية المباركة بقوله:
«إنّ اللّه سبحانه وتعالي يقول في هذه الآية: أنتم ذوي القلوب العمياء ، أمِنَ الممكن أن تساووا بين سقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام ، وبين أولئك الذين آمنوا باللّه وبيوم الجزاء وجاهدوا في سبيل اللّه؟!
حاشا أن تتساووا أنتم وأولئك ، فاللّه لا يهدي القوم الظالمين»72 .
ثمّ يستفيد من سياق الآية المباركة نكتة رائعة ، بذكر الجهاد في سبيل اللّه بعد الايمان باللّه واليوم الآخر ، فيقول:
«إنّ ما يلفت النظر في هذه الآية هو أنّ اللّه سبحانه قد ذكر الإيمان باللّه واليوم الآخر ، وقد اختار من بين كلِّ القيم الإسلامية الإنسانية ، الجهاد في سبيل اللّه ضدّ أعداء اللّه وأعداء البشرية ، وجاء به مباشرةً بعد الايمان باللّه ويوم الجزاء ، وقد علم المسلمون كافّة من هذا الاختيار أنّ أهمّية الجهاد تفوق كلّ شيء»73 .
ويؤكّد الإمام ـ في خطابٍ آخر ، وانطلاقا من آية (سقاية الحاج) ـ أنّ «سدانة البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام غير كافية ، ولا ترتبط بالهدف والمقصد»74 .
ولهذا يري أنّ «بساطة البيت والمسجد ـ كما كانا عليه زمان إبراهيم عليهالسلام وفي صدر الإسلام ـ مع تلاحم المسلمين الوافدين علي ذلك المكان البسيط ، أفضل ألف مرّة من تزيين الكعبة والأبنية المرتفعة فيها ، مع الغفلة عن الهدف الأصلي ، والمقصد الأساس المتمثّل بقيام الناس وشهود المنافع: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين75 ، كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن حالنا!!»76 .
المسجد: مركز انطلاق زحف القوّات الإسلامية
«إنّ المسجد في صدر الإسلام ، كان دوما مركز النهضة والتحرّكات الإسلامية . من المسجد كانت تنطلق الدعوة إلي الإسلام . ومن المسجد كانت تزحف القوات الإسلامية لقمع الكفّار ، أو لجذبهم تحت راية الإسلام»77 .
«هذا المسجد الحرام ومساجد عصر الرسول صلياللهعليهوآله كانت مركز الحروب والمعارك ، ومركز السياسات والشؤون الاجتماعية والسياسية . لم يكن مسجد النبي صلياللهعليهوآله مقتصرا علي المسائل العبادية كالصلاة والصيام فحسب بل إنّ مسائله السياسية كانت أكثر ، فمتي ما أرادوا إرسال المقاتلين إلي ساحات القتال والجهاد ، وتعبئتهم في الحروب والمعارك ، كان المسجد هو المركز والمنطلق»78 .
لقد كان الإمام ـ وانطلاقا من آيات القرآن التي تتحدّث عن الكعبة ودورها في القيام والنهضة ـ يري أنّ البيت الحرام «اُسس للقيام . . لقيام الناس ، كما أُسس للنّاس . . فيجب ـ إذن ـ الاجتماع فيه لهذا الهدف الكبير ، ويجب تحقيق منافع الناس في هذه المواقف المشرّفة» ، ويؤكّد ـ انطلاقا من آية (سقاية الحاج) ـ علي أنّ «سدانة البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام غير كافية ، ولا ترتبط بالهدف والمقصد»79 .
ولهذا كان يخاطب الحجّاج الوافدين علي بيت اللّه بأن يتجهزوا من (مركز تحطيم الأصنام) لتحطيم الأصنام السياسية والطاغوتية في العالم ، حيث يقول:
«أنتم يا حجّاج بيت اللّه الحرام ، يا من وفدتم من أقطار العالم وأكنافه علي بيت اللّه ، مركز التوحيد ومهبط الوحي ومقام إبراهيم ومحمد الرجلين العظيمين الثائرين علي المستكبرين ، وسارعتم للوصول إلي المواقف الكريمة التي كانت في عصر الوحي أرضا يابسة وهضابا قاحلة ، غير أنّها كانت مهبط ملائكة اللّه ومحلاًّ لهجوم جنود اللّه . . . اعرفوا هذه المشاعر الكبري وتجهّزوا من مركز تحطيم الأصنام لتحطيم الأصنام الكبري التي ظهرت علي شكل قوي شيطانية ، وغزاة يمتصون الدماء ، ولا تخشوا هذه القوي الفارغة من الإيمان . وفي هذه المواقف الكريمة ، وبالتوكل علي اللّه العظيم ، اعقدوا بينكم ميثاق الاتحاد والاتفاق في مواجهة جنود الشرك والشيطان ، واحذروا من التفرّق والتنازع ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» .
«إنّ ريح الإيمان والإسلام ـ التي هي أساس النصر والقوّة ـ تزول وتذهب بالتنازع والتشرذم المنطلق من الأهواء النفسية والانانيات»80 .
إعلان البراءة: الخطوة الأولي في طريق الجهاد والنضال
يؤكّد الإمام أنّ إعلان البراءة في موسم الحج ، في مكة المكرّمة ، ليس مجرّد «شعارات وهتافات» فحسب ، بل إنّه يتعدّي ذلك «إلي تعبئة الأمة وتنظيم جنود اللّه في مواجهة جنود إبليس» .
ويصرّح: بأنّ إعلان البراءة «هو المرحلة الاُولي في طريق الجهاد والكفاح ، وأنّ مواصلة المراحل الاُخري هي من واجبنا ، حيث إنّ أداءه في كلّ عصر وزمان يختلف باختلاف الأساليب ومتطلّبات العصر» .
ويشجب الإمام تلك المحاولات التي تريد تفريغ الحج من مضمونه الجهادي الثوري التعبوي ، من خلال:
أوّلاً: «إلقاء روح اليأس والعجز والخنوع في نفوس المسلمين» .
ثانيا: «الإيحاء بأنّ محاربة ومقارعة الأنبياء للأصنام ولعبادة الأوثان ، تنحصر وتقتصر علي الحجارة والأخشاب الجامدة التي لا روح فيها ، وأنّ أنبياء من مثل (إبراهيم) الذي كان سبّاقا في تحطيم الأصنام ، قد اقتصر عمله ـ والعياذ باللّه ـ علي تلك الأصنام الحجرية ، وترك ساحة الجهاد وميدان النضال ضدّ الظالمين» .
ويردّ الإمام علي هؤلاء المتآمرين علي الحقائق القرآنية والتاريخية بأنّ «كلّ ما أقدم عليه النبيّ إبراهيم من تحطيم الأصنام وجهاد النمروديين وعبدة الشمس والقمر والنجوم ، ما هو إلاّ مقدّمة لهجرة كبري ، وإنّ كلّ تلك الهجرات والشدائد والصعاب والعيش في وادٍ (غير ذي زرع) وبناء البيت والتضحية بإسماعيل ، كانت مقدّمة لبعثه ورسالة ختمت فيها الرسل ، وضمّت عودة لحديث أوّل وآخر بناة ومؤسسيالكعبة، وأبلغت رسالتها الأبدية بكلامٍ خالد: إنّيبريءٌ ممّا تشركون!
يري الإمام أنّ الاقتصار علي الرؤية التاريخية القديمة للأصنام ومعابدها ، يوصلنا إلي نتيجة خاطئة وهي: «عدم وجود صنم أو وثن وعبادته في هذا العصر» ، ولذا يري أنّه لا يوجد إنسان عاقل في الدنيا «لا يدرك عبادة الأصنام الجديدة وأحابيلها ، ولا يعرف هيمنة معابد الأصنام في واقعنا المعاصر ـ كالبيت (الأسود) الأمريكي ـ علي البلاد الإسلامية ، وعلي أرواح وأعراض المسلمين والعالم الثالث . .»81 .
يري الإمام أنّ عصرنا زاخرٌ بالأصنام والأوثان ومعابدها ، وأنّ الطاغوت السياسي هو الصنم الكبير الذي دعانا القرآن إلي رفضه والثورة عليه:
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها82 .
اللّه وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات83 .
إنّه الصراع التاريخي المرير بين أولياء اللّه وأولياء الطاغوت ، وما صراعنا المعاصر إلاّ امتداد لذلك التصارع والتدافع ، وتبقي المصاديق للطاغوت والظلمات ثابتة في مضمونها وإن اختلفت أشكالها .
ويعطي الإمام المصاديق المتنوّعة للظلمات:
(الجهل) و(المعصية) و(التبعية للغرب والانبهار به) ، ويعتبر الأخير من أشدّ الظلمات «لأنّ جميع مشاكلنا ومصائبنا تكمن في أننا فقدنا أنفسنا ، ونسينا مفاخرنا ، وقضينا علي كرامتنا واستقلالنا ووطنيتنا . كلّ هذه ظلمات ، والطاغوت هو الذي أخرجنا من نور الاستقلال والوطنية والإبداع العلمي ، إلي ظلمات التبعية والذيلية والشعور بالدونية» .
بيد أنّ أكبر هذه الظلمات وأحلكها وأخطرها هي ظلمة (الأنانية) لأنها «العدوّ الأسوء من كلّ الأعداء ، والوثن الأكبر من كلّ الأوثان ، بل هي اُمّ الأوثان ، وما لم يحطِّم الإنسان هذا الوثن لا يمكن أن يُصبح إلهيا؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين اللّه والوثن ، وبين الإلهية والأنانيّة»84 .
ومن منطلق هذه الرؤية القرآنية الرائعة والمعاصرة لمعني (الطاغوت) و(الوثن) و(الصنم) يمتزج البعد السياسي ـ الاجتماعي لفريضة الحجّ بالبعد النفسي ـ العرفاني؛ ليشهد الحجيج الآتون من كلّ فجّ عميق منافع علي أصعدة متعدّدة ، وساحات متنوّعة ، وميادين شتّي .
إنّ هذا الالتحام الرائع بين أبعاد الحجّ وآفاقه لا يتحقق إلاّ بوعينا لأبعاد (الطاغوت) ومصاديقه ، التي تمتدُّ من ميدان النفس إلي ميادين القتال والجهاد والنضال .
ومن هنا ندرك مقولة الإمام ومدي دلالاتها العميقة:
«إنّ البعد (السياسي ـ الاجتماعي) للحج لا يتحقق إلاّ بتحقق بعده (المعنوي ـ الإلهي)»!
ولهذا يدعو حجّاج بيت اللّه الحرام قائلاً:
«لتكن تلبياتكم تلبية لدعوة اللّه ، وليكن إحرامكم من أجل الوصول إلي ساحة الحضور الإلهي . وأنتم تلبّون ارفضوا الشرك بجميع مراتبه ، وهاجروا من ذواتكم التي هي مصدر الشرك الأكبر إلي اللّه عزّوجلّ» .
ويتمنّي للحجّاج المهاجرين الوصول إلي «الوفاة التي تعقب الهجرة ، لينالوا ما وقع علي اللّه من أجر»85 .
وهذه إشارة واضحة إلي آية الهجرة: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره علي اللّه86 .
وآية الهجرة هذه طالما ركّز عليها الإمام في خطاباته ورسائله وكتبه إلي درجةٍ تكاد تكون في المقام الثاني بعد آية القيام87 ، ذلك لأنه يؤمن إيمانا عميقا بأنّ وصول السالك إلي مرحلة الفناء التام ، والمحو المطلق ، ثمّ الصحو بعد المحو ، هو الذي يجعله ذا إرادة نافذة للحق تعالي ، حينما يزول غبار الكثرة ، وتتكسّر أصنام كعبة القلب ، وما لم تتكسّر تلك الأصنام لا يمكن للإنسان أن يسعي في تكسير الأصنام الاُخري الحجرية أو البشرية المتمثِّلة بالطاغوت السياسي ـ الاجتماعي88 .
من هذا المنطلق يؤكّد الإمام علي حقيقة بعثة الأنبياء والمرسلين ، والمقصد الأساس وراء إنزال الكتب السماوية ، قائلاً:
«لقد بعث الأنبياء كافّة ، وأنزلت الكتب السماوية كافة ، من أجل إخراج الإنسان من معبد الأصنام هذا ـ (الأنانية التي هي اُمّ الأوثان) ـ وتحطيمها ، وتحويله إلي عابد للّه» ، وعندما يخرج الإنسان من ظلمات الأنانية «يصبح عاملاً للّه ، مقاتلاً في سبيل اللّه»89 .
من هذا المنطلق ـ أيضا ـ يخاطب الإمام حجّاج بيت اللّه قائلاً:
«ما دمتم مكبّلين بأغلال ذاتياتكم وأهوائكم وأنانياتكم لا تستطيعون الجهاد في سبيل اللّه ، ولا الدفاع عن حريم اللّه»90 .
«ولو تحقّق في الإنسان هذا الجانب العرفاني والمعنوي وحده ، واقترنت التلبية ـ (لبّيك اللهمّ لبّيك) ـ صدقا بنداء اللّه تعالي ، فإنّ الإنسان سيحقّق الانتصار في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية ، وحتّي العسكرية . وإنّ مثل هذا الإنسان لا يفهم معني الهزيمة والفشل»91 .
«بتلبيتكم قولوا (لا) لكلّ الأصنام . وأي صنم أكبر من الشيطان الأكبر أمريكا الطامعة؟!
أرفضوا كلّ الطواغيت الصغار والكبار .
اجعلوا قلوبكم في الطواف حول بيت اللّه خالية من غير اللّه ، فإنّ الطواف يرمز إلي عشق اللّه .
نزّهوا أنفسكم من أن تخاف من غير اللّه تعالي .
تبرّأوا ـ مع عشق اللّه ـ من الأصنام الكبيرة والصغيرة ، ومن الطواغيت وأتباعهم . .
وفي لمسكم للحجر الأسود بايعوا اللّه لأن تكونوا أعداءً لأعداء اللّه ورسوله والصالحين والأحرار . .
اقتلعوا جذور الخوف من قلوبكم فإنّ كيد أعداء اللّه ـ وعلي رأسهم الشيطان الأكبر ـ كان ضعيفا ، مهما تفوّقوا في وسائل القتل والدمار والإجرام . .
وفي السعي بين (الصفا) و(المروة) اسعوا ـ بصدق وإخلاص ـ لتجدوا المحبوب ، فإن وجدتموه يتقطع كلّ انشداد إلي الدنيا ، وينقلع كلّ شكٍّ وتردّد ، وتنفصم كلّ القيود ، وعندها تتفتّح براعم الحرية وتتحطّم الأغلال التي كبّل بها الطواغيت عباد اللّه ، وأسروهم واستعبدوهم .
واتّجهوا إلي (المشعر الحرام) و(عرفات) بشعورٍ وعرفان ، وزيدوا دوما من ثقتكم بوعد اللّه وحكومة المستضعفين ، وتفكّروا بآيات اللّه في هدوء وسكون . . وفكّروا في إنقاذ المحرومين والمستضعفين من مخالب المستكبرين .
اِذهبوا إلي (مني) لتنالوا فيها الأماني الحقّة المتمثِّلة في تقديم أعزّ ما عندكم قربانا علي طريق المحبوب . .»92 .
«برجمكم (العقبات الثلاثة) عاهدوا اللّه علي رجم وطرد شياطين الإنس والقوي المستكبرة من بلدان العالم الإسلامي»93 .
وهكذا تلتحم الثورة والعرفان ، وتتعانق السياسة والعبادة ، ويتزامن السعي بين الصفا والمروة بالسعي نحو تحقيق الأماني الحرّة ، ورجم العقبات برجم الطاغوت ، وطواف الكعبة بالقيام والنهضة والثورة .
وهكذا ـ أيضا ـ يتحوّل عيد الأضحي المبارك إلي عيد التضحية والبذل والفداء والعطاء في سبيل اللّه ، ومقارعة الظالمين والطاعنين؛ لأنّه «العيد الذي يذكّر الواعين بالتضحية الإبراهيمية ، ويقدّم دروس الفداء والجهاد في سبيل اللّه إلي أبناء آدم وأصفياء اللّه وأوليائه»94 .
لقد علّمنا إبراهيم ـ شيخ الموحّدين ومحطّم الأصنام ومؤسس الإيثار ـ كيف نعيِّد ومتي ، «علّمنا وعلّم الجميع أن نقدّم أعزّ ثمار حياتنا في طريق اللّه ، ثمّ نعيِّد!!»95: فلمّا أسلما وتلّهُ للجبين* وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدّقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين* إنَّ هذا لهو البلاءُ المبين * وفديناه بذبحٍ عظيم* وتركنا عليه في الآخرين96 .
(1) المائدة : 63 .
(2) الحكومة الإسلامية : 166 ـ 167 .
(3) الحكومة الإسلامية : 171 .
(4) في كتاب (منهج الإمام الخميني في التفسير) ، وهو الكتاب الثالث من سلسلة (كتاب قضايا إسلامية معاصرة) ، بحثتُ ـ بشيء من التفصيل ـ عن المنهج التفسيري عند الإمام الخميني ، ولاسيّما في الفصل الثالث منه ، والذي كان بعنوان : (التفسير الخميني: الاتجاهات والأبعاد) ، بيد أنني لم أذكر آيات الحج فيه ، لاختصاره وإيجازه .
(5) الحج : 27 ـ 28 .
(6) خطاب الإمام : 28 / ذي القعدة / 1405 ه•• .
(7) المصدر السابق .
(8) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1406ه•• .
(9) الميزان 14 : 369 ـ 370 .
(10) في ظلال القرآن 4 : 2419 .
(11) ن . م : 242 .
(12) خطاب الإمام: 7 / ذي القعدة / 1399 ه•• .
(13) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجّة / 1406ه•• .
(14) خطاب الإمام: 1 / ذي القعدة / 1403ه•• .
(15) خطاب الإمام: 4 / ذي الحجّة / 1408ه•• .
(16) ن . م .
(17) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجّة / 1404ه•• .
(18) راجع الآداب المعنوية : 422 .
(19) ن . م : 24 .
(20) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1404ه•• .
(21) خطاب الإمام: 7 / ذي الحجة / 1399ه•• .
(22) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1406 ه•• .
(23) ن . م .
(24) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجّة / 1404 .
(25) ن . م .
(26) ن . م .
(27) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404ه•• .
(28) ن . م .
(29) المائدة : 97 .
(30) خطاب الإمام: 8 / ذي القعدة / 1403 ه•• .
(31) ن . م .
(32) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجّة / 1407ه•• .
(33) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجّة / 1407 .
(34) أمر اللّه نبيّه أن يتلو نبأه ـ كما ورد في الرؤية ـ لما فيه من عبرة كبيرة لمصير العالِم الذي يتّبع هواه، ويكون من وعّاظ السلاطين وعلماء البلاط: «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين* ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلي الأرض واتّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث...»(الأعراف: 175 ـ 176).
(35) خطاب الإمام: 4 / ذي الحجّة / 1408 .
(36) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(37) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجّة / 1406ه•• .
(38) خطاب الإمام: 28 / شوّال / 1399 ه•• .
(39) خطاب الإمام: 7 / ذي القعدة / 1399ه•• .
(41) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجّة / 1400ه•• . (42) آل عمران: 103 .
(43) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1400 ه•• .
(44) التوبة : 3 .
(45) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(46) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1405 ه•• .
(47) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(48) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1403 ه•• .
(49) الدر المنثور / 3 / 209 .
(50) ن . م .
(51) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1403 ه•• .
(52) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(53) ن . م .
(54) إشارة إلي قوله تعالي: وإذْ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجودسورة البقرة: 125 .
(55) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(56) ن . م .
(57) المائدة : 97 .
(58) خطاب الإمام: 7 / ذي القعدة / 1401 ه•• .
(59) خطاب الإمام: 7 / ذي القعدة / 1401 ه•• .
(60) خطاب الإمام: 8 / ذي الحجة / 1403 ه•• .
(61) خطاب الإمام: 8 / ذي القعدة / 1403 ه•• .
(62) البقرة : 125 .
(63) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1403 ه•• .
(64) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجة / 1403 ه•• .
(65) آل عمران: 96 .
(66) خطاب الإمام: 28 / ذي الحجة / 1400 ه•• .
(67) ن . م .
(68) جاء في تفسير الطبري بإسناده عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعبّاس بن عبد المطّلب ، وعلي بن أبي طالب . فقال طلحة: أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، لو أشاء بِتُ فيه!
(69) التوبة: 19 .
(70) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(71) خطاب الإمام: 7 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(72) خطاب الإمام: 7 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(73) خطاب الإمام: 7 / ذي الحجة / 1407 ه•• .
(74) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(75) التوبة : 19 .
(76) ن . م .
(77) خطاب الإمام: 23 / جمادي الأولي / 1399 ه•• .
(78) خطاب الإمام: 8 / ذي القعدة / 1403 ه•• .
(79) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(80) خطاب الإمام: 9 / ذي الحجة / 1399 ه•• .
(82) البقرة: 256 .
(83) البقرة : 257 .
(84) منهج الإمام الخميني في التفسير : 33 . نقلاً عن: مختارات من أقوال الإمام 1 : 109ـ114 (تفسير آية ولقد أرسلنا موسي بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلي النور إبراهيم: 5 .
(85) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(86) النساء : 100 .
(87) قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا للّه مثني وفرادي . . . .
(88) راجع: الآداب المعنوية / 422 .
(89) منهج الإمام الخميني في التفسير / 48 . نقلاً عن كتاب (تفسير آية البسملة) للإمام الخميني/ 48 ، 100 .
(90) خطاب الإمام: 2 / ذي الحجة / 1404 ه•• .
(91) خطاب الإمام: 28 / ذي القعدة / 1405 ه•• .
(92) خطاب الإمام: 1 / ذي الحجّة / 1406 ه•• .
(93) خطاب الإمام: 7 / ذي الحجّة / 1399 ه•• .
(94) خطاب الإمام: 10 / ذي الحجّة / 1403 ه•• .
(95) ن . م .
(96) الصافات : 103 ـ 108 .
ومن عجب ما أوّله بعض المفسِّرين كالآلوسي في (روح المعاني) ، حيث يقول: وقوله صلياللهعليهوآله : «لا يبلغ عنّي . . .» جارٍ علي عادة العرب أن يتولّي تقرير العهد ونقضه إلاّ رجل من الأقارب لتنقطع الحجّة بالكلّية»!! (روح المعاني / 10 / 45) .